د.فهد العرابي الحارثي
جاء تعامل الصحافة الإسرائيلية مع زيارة وزير الخارجية البريطاني روبن كوك إلى الأراضي المحتلة في أبريل 1998م، وزيارة جبل أبوغنيم وفق مقولة قالها جدعون رفائيل مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية في السبعينيات لسفير بريطانيا في إسرائيل أريد أن أخبرك يا سيد جون برانس أن المندوب السامي البريطاني قد غادر البلاد في 14 أيار، ولذا يجدر بك ألا تعتقد للحظة واحدة أن الدولة اليهودية يمكن أن تستجيب لأي طلب يتعارض مع مصالحها.
وهاجمت الصحف الإسرائيلية وزير الخارجية البريطاني بصورة قاسية جداً وتفاوتت الاعتبارات التي دفعت الصحافة الإسرائيلية إلى مهاجمته، إلا أن الاعتبار الوحيد الذي يجمعون عليه هو اعتقادهم أن زيارة كوك لجبل أبوغنيم منحت نتنياهو فرصة لكي يتملص من تنفيذ التزاماته السياسية، ووفرت له مبرراً لكي يرفض التدخل الأوروبي في العملية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ذلك لان كوك استفز الإسرائيليين عندما وصف القدس الشرقية بأنها جزء من الأراضي المحتلة، وأكد على إجماع اليسار واليمين في إسرائيل على أن القدس بشقيها الشرقي والغربي هي عاصمة دولة إسرائيل الموحدة.
يقول رئيس قسم الدراسات الأوروبية في الجامعة العبرية ومدير عام وزارة الخارجية السابق واحد أبرز كتاب الأعمدة في بديعوت احرنوت البروفسور شلومو افنيري لو كنت أؤمن بنظرية المؤامرة لأقسمت أن كوك نسق خطواته مع نتنياهو جيداً، إذ منح كوك نتنياهو افضل مبرر لإغلاق الباب أمام أي مبادرة أوروبية، وكتب شمعون شيفر المعلق السياسي لـ بديعوت احرنوت، لقد وقع كوك في الفخ الذي نصبه له نتنياهو، فالوزير البريطاني لم يدرك أن نتنياهو يبحث أصلاً عمن يطرح مسألة القدس لكي يمثل دور المدافع الأكثر حرصاً عن يهودية المدينة، ويواصل شيفر ساخراً أنه يجدر بالوزير كوك أن يلتحق بمدرسة للدبلوماسيـة، ويرى شيفر كسائر الصحافيين الإسرائيليين الذين غطوا زيارة كوك أن الوزير البريطاني سيساهم في دفع بناء الوحدات الاستيطانية في جبل أبوغنيم إذ أن أحزاب الائتلاف سارعت لمطالبة نتنياهو بتوجيه رد عملي لـ استفزاز الوزير البريطاني والشروع في بناء الاف الوحدات السكنية، أما حامي شليف المعلق السياسي لصحيفة معاريف وهو يساري متطرف، واحد أكثر الصحافيين الإسرائيليين انتقاداً لنتنياهو كتب إنني غاضب على كوك لأنه أعطى الفرصة لأولئك الذين تخصصوا في الدفاع عن الكرامة الوطنية الضائعة للعمل ساعات إضافية في مكتب نتنياهو، إن كوك دخل هذا المعترك للأسف برجله الشمال، أما دان مرغليت أحد كتاب الأعمدة البارزين في هآرتس كتب مقالاً في صحيفته انتقد فيه مرافقة كوك لعضو المجلس التشريعي صلاح التعمري أثناء وجوده في جبل أبوغنيم وتساءل مارغليت ماذا لو بدأ وزير إسرائيلي زيارته لبريطانيا بجولة في مدينة لوندندري الواقعة بشمال ايرلندا بصحبة ممثلين عن الجيش الجمهوري.
وإذا كان الساسة والمعلقون اليساريون غاضبون على كوك لأن زيارتـه لجبل أبوغنيم صبت في النهاية لصالح خصمهم حسب اعتقادهم، إلا أن أنصار اليمين والحكومة عبروا عن افتخارهم لقيام نتنياهو بإلغاء مأدبة العشاء لكوك وتقليص وقت الاجتماع وكتب موشيه زال أحد كتاب الأعمدة في معاريف ويؤيد نتنياهو بشكل تقليدي لقد أحسن رئيس الوزراء صنعاً لأنه ذكر السيد كوك أن التفويض الذي كان ممنوحاً لبريطانية للتدخل في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني انتهى منذ 50 عاماً ولم تعد بريطانيا الإمبراطورية التي تغيب عنها الشمس، وكتب زلمان شوفال رئيس الليكود العالمي وسفير إسرائيل السابق في واشنطن واحد اقرب المقربين لنتنياهو مقالاً في بديعوت احرنوت أشار فيه إلى أن المسرحية التي مثلها كوك بالزيارة إلى جبل أبوغنيم كانت نتاج خطة أعدها كل من الرئيس الأمريكي بل كلنتون وصديقه توني بلير، ويستذكر شوفال أن الإدارة الأمريكية ونظراً لاعتبارات داخلية تتعلق بالرئيس كلنتون لا تبدي حماساً لعرض مبادرة خاصة بها كي لا تغضب المنظمات اليهودية.
القدس في ضمير الإعلام العربي (نموذج)
أجرى الكاتب الصحفي عماد الدين أديب مجموعة من الحوارات عقب أحداث انتفاضة القدس والتي عمت جميع الأراضي الفلسطينية غداة افتتاح نفق البراق، وقد تم تجميع الحوارات لتضم كتاباً واحد تحت عنوان “حوارات القدس”.
الكاتب الصحفي الأستاذ عماد الدين أديب شغل وظيفة محرر شؤون رئاسة الجمهورية في صحيفة الأهرام القاهرية في الفترة من 1976-1981م، ويقدم عماد الدين أديب برنامج على الهواء من القناة الثانية من شبكة أوربيت والتي استضاف من خلالها الشخصيات للحوار.
تقوم فكرة البرنامج على أساس الحوار بين مقدم البرنامج وضيف الحلقة والمشاهدين، وتضمن الحوار لقاءات مع سبع شخصيات، وفي مقدمة الكتاب والتي حملت عنوان هذا الكتاب شرح عماد الدين، أبعاد زيارته وانتقاله بفريق عمله إلى مدينة القدس لمواكبة الأحداث ليكون في موقع الحدث ويقدم برامجه من هناك ليحاور الشارع الفلسطيني في القدس.
جاء الحوار الأول بعنوان “مدينة المرايا” وكان مع فضيلة الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ومفتي القدس، ومع الدكتور ألبرت أغزريان خبير دراسات القدس بجامعة بيرزيت، وقد أتسم الحوار بالتركيز على البعدين الديني والتاريخي لنفق القدس.
وفي الحوار الثاني “سيناريو التهويد” أجرى عماد الدين حواراً مع الدكتورة حنان عشراوي وزيرة التعليم العالي في السلطة الفلسطينية والسيد فيصل الحسيني مسؤول ملف القدس وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وركز الحوار على الأوضاع السياسية الحالية لمدينة القدس.
وفي الحوار الثالث “الناس والقدس” توجه بالحديث إلى الناس بالمدينة المقدسة والذي بدأه بموجز عن حياة الجزء الشرقي من المدينة وافتقارها إلى أي نوع من الخدمات في ظل تكاليف الحياة العالية على عكس المناطق الغربية من القدس المحتلة والتي تبدوا وكأنها قطعة من الولايات المتحدة.
وجاء الحوار الرابع بعنوان “صانع الأوميت” كان لقاء عماد الدين مع شمعون بيريز وقد تميز الحوار مع بيريز بالأسئلة الاستفزازية وحاول بيريز في اللقاء ارتداء ثوب غير ثوبه، وبرر بيريز وحسب وجهة نظره ما حدث في القدس وأعتبره أنه في حالة من الدفاع عن النفس، ولسوء الفهم في تنفيذ الأوامر حدثت المأساة في القدس.
وفي الحوار الخامس “أنه يكذب” وكان مع بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة والمسؤول الأول عن فتح النفق وحرص نتنياهو على أن يظهر بمظهر أنه لا يكره العرب وأنه قد تم تقديمه إلى الإعلام بصورة خاطئة.
وفي الحوار السادس والذي كان مع وزير الدفاع أسحاق مردخاي أرجـع إليه عماد الدين أديب مسؤولية المصادمات التي حدثت عقب فتح النفق، وعزا مردخاي السبب في تلك المصادمات إلى الشرطة الفلسطينية التي اتخذت قرارها باستخدام العنف.
وفي الحوار السابع والأخير الذي كان مع السيد عمرو موسى وحمل عنوان “إن عدتم عدنا” وكان مباشراً بين عماد الدين وعمرو موسى، ولم يكن للمشاهدين أي دور. على الرغم من أن الحوارات كانت موجهة أساساً لمواكبة أحداث نفق الأقصى إلا أن الحوارات امتدت لتشمل العملية السلمية ومستقبل الحل السلمي في المنطقة، وتسجل هذه الأعمال كنجاح في تقديم حوارات من داخل المدينة المقدسة، والجمع في حواراته السبع المتناقضات من داخل المدينة كأول تلفزيون عربي، وأول صحفي عربي يقوم بهذا العمل.