د.فهد العرابي الحارثي
مدخل:
كثيراً ما خلطت الذاكرة التاريخية بين الحاجات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لدول من جهة وبين الخصوصيات الإثنية والثقافية والمذهبية لدى الجماعات، وفي العلاقة العربية الإيرانية اختلطت حروب التوسع ونزاعات الحدود ومشاريع السيطرة على الممرات البرية والمائية ومصادر الطاقة من جهة مع الاختلافات القومية والمذهبية، ومن جهة أخرى بدأ تاريخ الصراع في العلاقات العربية الإيرانية، وكما عبر عنه المؤرخون والمفكرون العرب والإيرانيين صراع قومي (عربي- فارسي) أو تاريخ صراع مذهبي (سني – شيعي) وتختزن في الذاكرة منابع الصراع الصفوي العثماني، والحروب العراقية الإيرانية، والدراسة التاريخية للحروب العثمانية الصفوية وتسويتها، ومعاهدة ارضوم 1847م وتطوراتها المختلفة، واتفاقية الجزائر1975م توضح جميعها أسباب النزاع الحقيقية وإن قدمت نفسها في خطاب قومي، إسلامي، مذهبي، ولكنها لا تزال تتحرك في مسار مصالح أهل الدول وطبقاتها الحاكمة والرؤى الاستراتيجية والجيوسياسية المتحكمة بها.
شكلت الأمتين العربية والإيرانية كما يطلق عليهما المؤرخون سداً يحمي كل منها الأخرى، فـ كورش حمى بلاد فارس من خطر يأجوج ومأجوج والقبائل البدوية الغازية التي كانت في آسيا الغربية والوسطى وحتى أواسط القارة الهندية، وحمى ما ورائها غرباً من بلاد آشورية وبابلية وكنعانية وفينيقية والتي أطلق عليها فيما بعد أسم البلاد العربية، والإسكندر المقدوني عندما سقطت أمامه صور سقطت أمامه إيران كلها وبلغ عمق الهند. وأمام انهزام إيران في مواجه المغول وصلت الغزوات المغولية إلى حلب ودمشق، فالأمتين العربية والإيرانية المتلاصقتين جغرافياً وبشرياً قدر لها أن تكون الواحدة سنداً للأخرى، وحاميتها الخلفية لمصيرهما المشترك.
ترتبط الأمة العربية مع الإيرانية بالدين الإسلامي، فـ سلمان الفارسي الذي قال عنه رسول الله r “سلمان منا آل البيت” وعُيّن والياً على المدائن أي حاكماً لإقليم العراق الأكثر فاعلية في التاريخ الإسلامي.
التعامل الإيراني مع القضايا العربية:
إن كانت إيران من أكثر الدول إلتصاقاً بالوطن العربي؛ فهذا لا يمنع من أن تلقي بعض القضايا المحورية بضلالها على تلك العلاقة، وتطبع مسار العلاقة العربية الإيرانية بشيء من التوتر وخاصة دول الخليج والتي تشعر من جراء تنامي السلوك الإيراني أبان تصدير الثورة، وتنامي ترسانة الأسلحة الإيرانية بالخطر.
تكمن أهمية إيران كونها مطلة على الخليج العربي وتشترك مع العراق في حدوده الشرقية، وهي ذات طاقات بشرية واقتصادية هامة، وتشكل منذ أيام الصفويين مصدر تهديد لجيرانها، فمنذ أول القرن تسعى إيران إلى مشاركة العراق في ملكيه شط العرب، وكان تأييدها للأكراد بين 1965-1975م واحداً من السبل في ذلك، وفي الستينيات هددت أكثر من مرة باحتلال البحرين، وعندما أعلنت بريطانيا الانسحاب من منطقة الخليج العربي في نهاية عام 1971م أعلنت إيران عن رغبتها بالحلول مكان التواجد البريطاني، وإثر إنعقاد مؤتمر مسقط عام 1976م بين دول الخليج الست وإيران والعراق وفشلها في وضع ترتيبات لمنطقة أمن الخليج بسبب الخلاف على النفوذ بين بغداد وطهران، فـ بغداد ترى أن التقارب الإيراني مع دول الخليج يضر بمصلحتها وأن العلاقة الإيرانية الخليجية يجب أن تمر به، والموقف الإيراني وهو من منطلق قومي والتي نظرت إلى منطقة الخليج في زمن الشاة كمنطقة نفوذ لإيران “وصي” لا كشريك في الأمن، وعملت الثورة الإسلامية في سنواتها العشر الأولى بهذا المنطلق ولم تبرح هواجس القومية وتصدير الثورة.
تطرح إيران مفهوم الأمن القومي الإيراني والذي ينبع من مصالحها الحيوية والاستراتيجية وتقديرها لمحدودات أمنها القومي، وإيران من الشاة إلى الجمهورية الإسلامية تحمل الإرث التالي:
1) ضرورة فرض الهيمنة الإيرانية على منطقة الخليج العربي، أو ما تطلق عليه إيران الخليج الفارسي لفرض مصالحها الحيوية.
2) الحفاظ على تدفق النفط الإيراني، وتوفير أقصى قدر من حرية الحركة بالقدر والقيمة المطلوبة.
3) مواجهة النفوذ العسكري وخاصة الأمريكي في منطقة الخليج العربي.
4) الحفاظ على الزعامة الإيرانية للمذهب الشيعي والسعي لفرض مبادئها.
5) مناهضة إيران لأي اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل ورفض التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي.
ومع نهاية عهد الشاة وصعود الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان الطرح الشديد للتوجه العقائدي الإيراني لفرض سياستها في المنطقة، وبرز الدور الإيراني بإثارة العديد من الأزمات والصراعات بين إيران والعرب، وقد أبرزت هذه الصراعات العديد من المخاطر والتهديدات الإيرانية على الأمن القومي العربي ومنها:
1) أن إيران منحت نفسها حق النقض “الفيتو” في أي ترتيبات أمنية في المنطقة بما يخدم مصالحها الأمنية فقط.
2) الدعم الإيراني لحركات التطرف والعنف واستخدام القوة للتخلص من الحكومات الشرعية بإقامة معسكرات للتدريب.
3) استمرار فرض إيران لإجراءات ترمي إلى تكريس احتلال الجزر الإماراتية، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى.
4) استغلال الشيعة الموجودين في البلاد العربية بما يهدد الاستقرار والأمن.
5) تهديدات إيران المستمرة بإغلاق مضيق هرمز خلال الفترة من 1992-1997م بإجراء المناورات العسكرية للحرس الثوري الإيراني بواسطة قواعد الحرس في خور موسى، بوشهر، بندر عباس، ولنجة.
6) اتخاذ إيران سياسة مضادة للسياسة العربية في حل الصراع العربي الإسرائيلي.
حمل عام 1992م اضطراباً في العلاقة العربية الإيرانية، فعملت إيران في مارس 1992م على إفراغ سكان جزيرة أبوموسى من العرب في محاولة لتوطين المزيد من مواطنيها وتعزيز وجودها العسكري، وكان العامل الأساسي المفجر للخلاف منع ركاب سفينة المناظر الإماراتية من دخول الجزيرة بدعوة اكتشاف مؤامرة أجنبية واعتقال بعض المسلحين، وقد احتجت الإمارات على الإجراءات الإيرانية ودعت في أكثر من مرة إلى فتح ملفي جزيرة طنب الصغرى وطنب الكبرى اللتين استولت عليهما إيران منذ 1971م، وأهم ما في هذا الشأن إجماع عربي على تأييد الموقف الإماراتي، وموقف دول إعلان دمشق بما فيهم سوريا من الجزر الإماراتية ومقررات اجتماع دول مجلس الجامعة العربية والقمم الخليجية، واجتماع وزراء الخارجية الخليجيين والعرب.
وفي أبريل من 1992 انتهكت إيران المجال الجوي العراقي وقامت بقصف قواعد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في الأراضي العراقية بدعوى أنها أغارت على قريتين إيرانيتين.
ومع تولي السيد محمد خاتمي الرئاسة في الجمهورية الإيرانية ظهرت بوادر الحل السلمي للخلاف الإماراتي الإيراني بشأن الجزر، ومع أنه لا توجد شخصية إيرانية لا تعتقد بأن الجزر الثلاث هي جزر ليست إيرانية، فقد أكد خاتمي استعداده لحل الخلاف، وكان قد أرسل رسالة إلى الشيخ زايد بهذا الشأن، وكان وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي بعث برسالة مماثلة إلى الشيخ حمدان بن زايد وزير الدولة للشؤون الخارجية المسؤول عن ملف الجزر الإماراتية.
وفي هذا الشأن يركز الموقف الإماراتي على أن تشمل المفاوضات الجزر الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، وان يتعهد الطرف الإيراني في حال فشل المفاوضات اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
ويرى الإيرانيون بعد صعود خاتمي أن العلاقات مع الدول الخليجية (الإمارات والبحرين) يمكن تذليلها من خلال العلاقات المميزة مع السعودية.
في انفراج آخر على العلاقات كان توقيع الاتفاق الأمني بين إيران والكويت مع العلم أن الكويت لم توقع الاتفاق مع دول مجلس التعاون، وتنظر القيادة الإيرانية مجتمعة أن تعزيز علاقاتها مع دول الخليج مدخل لتحسين العلاقات مع العرب ككل، وفي نفس الوقت يتجه خطاب خاتمي إلى تحسين العلاقات مع دول الخليج وتوثيق العلاقات، ويطرح بالتالي مسألة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهذا كفيل أن يساعد إيران في إخراج الأمريكيين من المنطقة.
العلاقات المصرية الإيرانية لا تزال تتسم بالحذر حالياً، وينظر المصريون إلى العلاقات مع إيران من مدخل أمني، وتشترط حل الخلافات الأمنية قبل إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية كاملة، وترى النظرة المصرية أن المستقبل لن يكون لاستمرار خاتمي وهي لذلك لن تجازف بإقامة علاقات دبلوماسية وسياسية كاملة. ومازال الإيرانيون على المستوى الرسمي والشعبي يعيشون هاجس الحرب العراقية الإيرانية فالعلاقات بين البلدين بطيئة وحذرة. إن من الممكن الاستنتاج أن الوفاق الإيراني الخليجي يقوم على قاعدة لا ضرر وإضرار وإن غلفتها بعض المصالح والزيارات والتمنيات الشعبية والرسمية بتطوير العلاقة. إن إيران وباعتبارها تطل على 50% من ساحل الخليج العربي ونصف مضيق هرمز و50% من خليج عمان تحت تصرف إيران والنصف الآخر تحت تصرف الدول الخليجية الست، فلا يمكن أن يحدث تطور في المنطقة إلا بالنظر إلى الدور الإيراني في المنطقة فهي طرف متكافئ ولها دورها في إيجاد التوازنات في المنطقة.
الانفتاح الإيراني:
جاء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثامن من 9 – 11 ديسمبر 1997 بمشاركة وفود من 55 دولة يمثلون جميع أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد أقرت القمة في إعلانها النهائي مبدأ الحوار والتعايش السلمي بين الحضارات جميعاً، وطالبت بضرورة احترام الحقوق المدنية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للجماعات والأقليات المسلمة في البلدان الغير إسلامية، وشهد المؤتمر تأكيداً للمساعي الإيرانية للتقارب العربي الإيراني التي تميزت علاقتها التقليدية بالتوتر وخاصة مصر والعراق والجزائر، وتعكس محاولات التقارب البحث عن محاور جديدة للتحالفات لمواجهة القطب العالمي الوحيد ( الولايات المتحدة الأمريكية) وسياستها الرامية إلى فرض هيمنة إسرائيل الإقليمية.
أثارت إيران موقفها من العملية السلمية والتي اعتبرتها صفقة خاسرة للفلسطينيين تهدف إلى سلب حقوقهم المشروعة، وخلا البيان الختامي من الإشارة إلى العملية السلمية، وقد أشارت إيران إلى موضوع التقارب التركي الإسرائيلي وأثره على دول الإقليم (العراق، سوريا، إيران) وما ينتج عن هذا التقارب من الإخلال في الميزان الاستراتيجي.
تعكس محاولات التقارب الإيراني العربي رغبة إيران بـ مكافحة آثار سياسية الاحتواء المزدوج التي تطبقها الولايات المتحدة على العراق وإيران، وجاء في البيان الختامي للقمة الرفض لتطبيق العقوبات أو القوانين المحلية خارج نطاق أراضي الدولة، وحث الدول الأعضاء على اعتبار هذا القانون لاغي.
جاءت المشاركة الواسعة لتظهر الانفتاح الإيراني على دول الإقليم العربي الإسلامي مما يتطلب من إيران تعديل سياستها الخارجية مع دول الإقليم والعلاقات الدولية وهذا ما يفسره محاولات فتح الحوار الأمريكي الإيراني وخاصة بعد التحولات الداخلية في إيران وفوز التيار المعتدل بالرئاسة.
شكلت الانتخابات الإيرانية وانتصار التيار المعتدل نقلة جديدة في التاريخ الإيراني المعاصر، وقد أسفرت الانتخابات عن فوز التيار المعتدل وتوج حجة الإسلام محمد خاتمي رئيساً على إيران بنسبة 70% من الأصوات مقابل منافسيه الثلاثة الآخرين، وجاء فوزه مخالفاً للنخبة السياسية التقليدية الحاكمة في إيران والمسيطر عليها علماء الحوزات الدينية وأصحاب النفوذ والبازار (طبقة التجار) وسيطرة اليمين التقليدي ومجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي ومجمع تشخيص مصلحة النظام.
جاءت الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في فبراير 1998 إلى المملكة العربية السعودية كأحد أبز سياسة الانفتاح الإيرانية على العالم العربي انطلاقاً من البوابة السعودية، الذي يُلحظ على الخطاب الإيراني في هذا السياق التحول والنظر إلى السعودية باعتبارها دعامة أساسية ومهمة في العالم الإسلامي، وأكد هاشمي رفسنجاني في اجتماعه مع مجلس الشورى السعودي من أن “إيران تتطلع إلى المملكة كقبلة للمسلمين وأنها ستبقى كذلك إلى يوم القيامة”، وجاء الرد السعودي من الاستعداد للتقارب مع طهران عقب سلسلة من المؤشرات التي أطلقها كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني في السعودية حيث أعلنت طهران عن استعدادها للتعاون بين الرياض وطهران في المجالات الاقتصادية وخصوصاً قطاع النفط، وأعلنت السعودية استعدادها للتعاون مع إيران والاستثمار في مجالات النفط ومشتقاته تنقيباً وتصنيعاً وتسويقاً، وبعد مغادرة كمال خرازي المملكة اجتمع وزير الداخلية الإيراني عبدالله نوري مع الملك فهد بن عبدالعزيز وكبار المسؤولين في المملكة، وكان الاجتماع قبل موسم الحج لعام 1998م مما دفع ببعض المراقبين إلى تحميلها بعداً أمنياً وسياسياً وكسر الجليد الذي أصاب العلاقات السعودية الإيرانية من بعد موسم حج 1987م، وما تعلق بانفجار الخبر، وجاء حديث وزير الداخلية الإيراني “نحن وإخواننا في السعودية لن نسمح بأن يعبث أحد بعلاقاتنا التي تسير من حسن إلى أحسن”.
وتمضي العلاقة العربية الإيرانية بالانفتاح وخاصة بعد صعود محمد خاتمي، وتشهد تطوراً بوتيرتين:
1) الباب المفتوح في العلاقة الإيرانية السعودية، التي بدأت من عام 1992م بالتحضير لقمة بين البلدين وترافقت مع تقارير أعدتها مراكز دراسات سياسية تابعة للخارجية الإيرانية وشملت دراسة شاملة لتطورات ما بعد حرب الخليج الثانية والمتغيرات الجديدة في المنطقة.
2) التحرك الإيراني على قاعدة التنسيق المشترك في مواجه سياسات التعنت الإسرائيلي، فكان الدعم الإيراني للمحور السعودي السوري المصري ليعزز من التوجه الجديد للرئيس محمد خاتمي الذي ينطلق من مبدأ احترام الخيارات العربية في السلام بالمنطقة.
إن عوامل الالتقاء التي تدفع بهذا التوجه الجديد في إيران هو وضع السوق النفطي في العالم وحاله عدم الاستقرار التي أصابتها اثر حرب الخليج الثانية، ولما للمصلحة الإيرانية والسعودية المشتركة باعتبارهما من أكبر البلدان المصدرة للنفط من استقرار في أسعار النفط العالمي.
يقول الصحفي رياض نجيب الريس نقلاً عن خبير غربي “إن ما تأمل فيه إيران من هذا التقارب مع السعودية وقد أكدته تصريحات خرازي الودية والإيجابية هو أن يودي في النهاية إلى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، فالحاجة إلى وجود قوات أمريكية بهذا العدد الهائل سينتفي مع مرور الوقت إذا استمرت إيران في اعتماد سياسة مُصالحة ودبلوماسية ودية حيال أعدائها القدامى جيرانها عرب الخليج من أن يخفف انحيازهم السياسي إلى وجهة النظر الأمريكية وأن يشعر بأن حاجتهم إلى وجود قوات أمريكية على أراضيهم قد تقلصت وفقدت مبررها، ولن تستثمر ثرواتهم في التسليح بل في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، إلا أن الأمريكيين يحتاجون إلى كثير من الإقناع ليصدقوا هذا الكلام”.
ولا ينفصل الوضع الأمني عن الوضع الاقتصادي الذي تأمله إيران من الدخول إلى البوابة العربية عبر السعودية، إذ أن السوق الخليجي تحدياً والعربي عامة من أهم الأسواق في المنطقة الإقليمية المحيطة بـ إيران، ومجال اقتصادي آخر أمام إيران الحصول على قرض من صندوق النقد الدول الذي تعتبر السعودية من أكبر المساهمين فيه على مستوى المنطقة، وهذا هام جداً للرئيس محمد خاتمي الذي تعتمد عليه سياساته الحالية للتنمية الاقتصادية ولإكمال المشاريع التنموية التي بدأت في إيران.
وتهدف إيران من توطيد العلاقات العربية إقامة توازن في المنطقة قائم على التعايش وحسن الجوار وترافقت مع الشعارات الصادرة من إيران وأهمها الحد من تصدير الثورة ودعم الحركات الأصولية في العالم العربي.
الانتخابات البلدية:
تكمن أهمية الانتخابات البلدية إلى الرئيس الإيراني محمد خاتمي الخطوة الأولى في هذا المجال من أجل إقامة مجتمع مدني داخل النظام الإسلامي في إيران، وتمثل استطلاعاً للتجربة الانتخابية البرلمانية التي من المقرر أن تجرى في عام 2000م، التي تأمل القوى الموالية لخاتمي من كسر قبضة المحافظين عليها، والبدء بما وصفه أنصار خاتمي بـ “ربيع الحرية” بهزيمة الأحزاب الخمينية المتشددة.
يمثل ظهور المجالس المحلية على الخريطة السياسية الإيرانية استراتيجية ذات مخاطر كبيرة، فمن المتوقع أن تساعد إيران على استئناف الحياة الديمقراطية التي بدأت عام 1906م، وتعطلت عام 1979م، وفي نفس الوقت من الممكن أن تبلور الانتخابات المحلية قيام الأفكار للحركات الانفصالية داخل العديد من الاقليات العرقية والدينية التي تمثل المزيج الإيراني.
كانت الثورة الدستورية لعام 1906م التي تعهدت بتشكيل مجالس محلية منتخبة؛ إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين رفضت تنظيم هذه الانتخابات خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تشجيع الجهات الانفصالية، وتبلورت المخاوف مع الحرب العالمية الثانية عندما سقط شمال إيران تحت الاحتلال السوفياتي، واحتلت بريطانيا النصف الجنوبي من إيران، وجرت أول انتخابات محلية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الأحمر وأعلنت المجالس المحلية المنتخبة في أذربيجان وكردستان الحكم الذاتي وجرت عدة محاولات لتشكيل مجالس محلية منتخبة في عدد من المناسبات قبل قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، وعندما وصل رجال الدين إلى الحكم تعهدوا بالعمل على عودة المجالس المحلية إلا أنهم وأمـام الخوف من استغلال المعارضة لهذه المجالس تجاهلت الثورة الإيرانية إعادة تشكيلها.
شكل الرئيس محمد خاتمي عهد الانفتاح في إيران، ودعا إلى انتخابات للمجالس المحلية بعيداً عن التوجهات الانفصالية، فلن تنتخب على سبيل المثال مجالس محلية للأقاليم ذات الأغلبية الكردية مثلاً، وتقسيم البلاد إلى 770 وحدة يضمن عدم استحواذ أي من المجالس على قوة كافية، والارتباط المالي للمجالس في يد طهران، ومن غير المسموح به للمجالس جباية الضرائب، أما للغة الرسمية للمجالس فهي الفارسية لمنع اللغات الأخرى الكردية والبلوشية والعربية والتركية والطاليشية، ومع انتهاء الانتخابات ممكن تسجيل بعض الملاحظات التالية:
1) معظم الإيرانيين يريدون الانتقال من الحكم الثيوقراطي إلى الحكم لديمقراطي عن طريق الانتخابات لا الحرب الأهلية.
2) سطوة العناصر التقليدية من رجال الدين والبازار (التجار) على الناخبين قد عفت، بدليل أن أكثر من نصف المرشحين من النساء وارتفاع نسبه الشباب لمرشحين مما يعني ضعف سيطرة المجتمع الذكوري الأبوي.
3) عدم ارتباط المرشحين بالكتل التقليدية المتصارعة على السلطة في طهران، أي لا توجد أحزاب سياسية في إيران ولا يتوفر في طهران تنظيم خاص يشمل البلاد.
4) تجربة أولى للانتخابات البرلمانية القادمة لعام 2000م.