الكاتب محمد الحمامصي في مقال مفصل نُشر على موقع “ميدل إيست أونلاين” مضمون استعرض كتاب “أمريكا التي تعلمنا العدالة والديمقراطية”.  لـ د.فهد العرابي الحارثي، وجاء المقال تحت عنوان: ” فهد العرابي الحارثي يكاشف ‘أميركا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل”.

حيث يقوم الكتاب بتحليل السياسات الأمريكية في المنطقة العربية قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من خلال عرضه لتناقضاتها ومفارقاتها.

ويشير الحارثي في الكتاب -حسب عرض الحمامصي – إلى أن مواقف واشنطن المتعاقبة خيًبت آمال الشعوب العربية وأحبطتها، خصوصًا سياستها تجاه القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.

كما جعلت تصرفات أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر العرب يشعرون بأنهم أهداف الحرب على الإرهاب بدل الإرهابيين أنفسهم.

وانتقد الكتاب تركيز واشنطن على دعم إسرائيل وربط مستقبل مصالحها في المنطقة بقوة إسرائيل ما زاد من سخط العرب عليها.

كما استعرض المقال أيضًا انتقاد “المؤلف” لسياسة أمريكا في غزو العراق عام 2003 وتبريرها للهجوم بحجة محاربة الإرهاب، ما زاد من شعور العرب بأنهم الهدف الرئيسي للحملة.

ويشير “الحارثي” حسب عرض الحمامصي إلى أن مواقف إدارات أمريكا المتعاقبة أدت إلى سيادة مشاعر الإحباط والكراهية لدى الشعب العربي تجاهها.

كما أوضح أن انتقاد السياسة الأمريكية ليس مقتصرا على جماعة بعينها، بل يشمل كافة التيارات الفكرية في المنطقة.

وخلص الكتاب إلى ضرورة أن تتخلى أمريكا عن سياسة الهيمنة والبطش، لتحظى مجددا بدعم الشعوب العربية من خلال قيادتها بالشراكة في سبيل التقدم والسلام.


نص المقال:

فهد العرابي الحارثي يكاشف ‘أميركا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل’

الباحث السعودي يرى ان الولايات المتحدة الاميركية لا تدرك حقيقة الموقع الذي تحتله في وجدان العالم وخيبت دائما آمال الشعوب العربية وأصابتها بالإحباط بل بالعداء لها.

يؤكد الباحث السعودي د.فهد العرابي الحارثي في كتابه “أميركا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل” إن مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة فيما يتعلق بشؤون المنطقة، خيبت دائما آمال الشعوب العربية، وأصابتها بالإحباط. بل إن مواقف الإدارة الحالية، على وجه الخصوص، سواء من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو من طريقة إدارتها لما تسميه الحرب على الإرهاب، وبالتالي غزو العراق، ثم قبل ذلك وبعده، التلويح بالتدخل العسكري في بعض الدول الأخرى، جعل هذه الشعوب تشعر أنها هي بذاتها المستهدفة من قبل الولايات المتحدة، بل تشعر أيضا أن الحرب على الإرهاب، مثلا، ما هي، في حقيقة الأمر، إلا حرب ضد الإسلام والمسلمين.

ويرى أن الانفتاح الشديد على مشروع الهيمنة، أصبح عالم اليوم لا يشكل، لدى الممتعضين من السياسات الأميركية، سوى فسطاط واحد (وليس فسطاطين) فهو إنما يلتقي كله حول مزيد من الكراهية لأميركا. فالبعض يكرهها لما ترتكب في حقه وفي حق غيره، من مظالم، والبعض يكرهها لما تتمتع به من استعلاء مقيت، ومن غطرسة وبطش، والبعض الثالث يكرهها إضطغانا عليها، وغيرة من تصرفاتها، واحتجاجا على استئثارها وحدها بتقرير مصير الكوكب، وبتحويل مؤسساته ومنظماته، فضلا عن مفهوماته ومبادئه وقيمه، إلى شأن أميركا بالدرجة الأولى. بعض العالم يصرح لأميركا بهذا المشاعر القاتمة، فهو فقد كل شئ ولم يعد لديه ما يمكن أن يفقده من أمور عزيزة عليه وغالية. وبعض الأخر لا يستطيع أن يفصح لأميركا عن كل ما يكنه لها من غضب ومرارات، إما خوفا مما قد يطاله من عقواباتها المريرة، أو طمعا في ما قد يتساقط من بين كفي الجبار المتكبر من فتات، بغية اكتفاء شر المسألة والجوع والتشرد والضياع.

ويضيف الحارثي “لسنا متأكدين من أن أميركا تدرك، بالفعل، حقيقة الموقع الذي تحتله اليوم في وجدان العالم!! أم أن نشوات البطش، الذي تعده هي انتصارات، ما تفتأ تلهيها عن الوقوف، لبضع دقائق، أمام المرآة، تنظر إلى وجهها الجديد القديم، في ملامحه التي لا تزداد إلا بؤسا وقتامة. ليس من سبيل إلى إنكار أن من حق الولايات أن تحافظ على قوتها، وأن تتشبث بموقعها المتقدم جدا بين دول العالم، فتكون القائد وتكون النموذج للازدهار في كل شيء. فهناك امبراطويات ومجتمعات وثقافات سبقتها إلى ذلك، وهي ـ أي تلك الإمبراطوريات ـ سعت دائما إلى عدم التفريط في ما تحقق لها من سؤدد، وهي إذا ما انهارت، أو ضاع منها كل شيء، فإنما يحدث ذلك على الرغم منها، إذ تتكالب عليها الظروف التي لا تمكنها من الاستمرار في المحافظة على الموقع المتقدم، وبالتالي لا تهيئ لها من فرص الاستطاعة ما يمكنها من صيانة المنجز المتفوق، ورعايته وحمايته، والإبقاء عليه في كامل وهجه.

ويؤكد أن ما ينكره العالم على الولايات المتحدة، ولاسيما فذا العصر التقاني الذي اختصر بصور مذهلة مسافات المكان والزمان، هو أن تنتهج سياسات، وأن تأخذ بتصرفات لم تعد مقبولة لدى العالم، بل إنها تواجه رفضا من الأصدقاء قبل المنافسين، وهي تبني سعادتها على إتعاس الآخرين، فتشيد إمبراطوريتها، وتجعل من عدتها لمستقبلها الأفضل، وسائل الغزو والاحتلال، أو التهديد بهما. ويحدث تناقض سافر مع صيحاتها المتوالية للتبشير بما يسمى بالقيم الأميركية، التي أساسها العدل وحقوق الإنسان والديمقراطية. والأخطر في كل ذلك، هو نزعة الاستعلاء، أو عدم الاكتراث بمقتضيات الثقافات المتعددة، والقيم المختلفة. والعمل إداريا أو لا إراديا، على إلغاء فكرة التنوع، ومبدأ التعدد اللذين قام عليها نظام تكوين هذا العالم منذ نشوء البشرية. والحالة العربية ـ الأميركية اليوم، تجسد، بما لا يقبل الشك، الوضع المتدهور التي وصلت إليه صورة أميركا عند الناس.

ويتابع الحارثي “تاريخيا ظل موقف الولايات المتحدة من القضية الفلسطينية، ومن الدعم اللامحدود الذي تلقاه منها إسرائيل معنويا وماديا، مما يلحق بالعرب الكثير من الحيف والظلم، نقول ظل هذا الموقف يشكل عبئا ثقيلا على مسيرة العلاقات بين الطرفين. فأميركا ربطت مستقبل مصالحها في المنطقة بإسرائل قوية، ومسيطرة، وقادرة على أن تمد ذراعها إلى خارج حدودها كلما أرادت ذلك. فإذا أضيف إلى ذلك الإرث التاريخي الثقيل ما حصل بعد أحداث سبتمبر من إعادة النظر في تقويم العلاقات التي تربط أميركا ببعض حلفائها العرب في المنطقة، بحيث انتقل هؤلاء من خانة الأصدقاء التقليديين إلى خانة الأعداء المتوخين، الذين حتى الآن، ينظر إليهم بكثير من الحذر والريبة، وبكثير من التحوط الشديد بل إن فيهم من أضحى هدفا للتهديد والوعيد اللذين يصلان إلى مستوى التلويح العسكري، إما للانتقام أو للاصلاح بالقوة. نقول إذا أضيف كل ذلك إلى الإرث التاريخي المتعلق بإسرائيل، بات من المؤكد سهولة إدراك ما وصلت إليه أميركا عند جميع العرب، من وحشية وبالتالي ما وصلت إليه مشاعر الناس تجاهها من الكراهية”.

ويوضح أن هذه الكلمة “الكراهية” أصبحت شائعة وسهلة التداول في أدبيات الإعلام الأميركي، وهي ما تفتأ تتردد على ألسنة الساسة الأميركيين وكذلك المثقفين، ولعل من المؤشرات الجلية إلى تلك الصورة أو تلك المشاعر، ما أسفرت عنه دراسة علمية منهجية قامت بنشرها إحدى الشركات المتخصصة في المملكة العربية السعودية، وهي تستقصي ما كتبه ونشره المثقفون السعوديون من مقالات وأفكار عن الحرب الأميركية على العراق، فقد أظهرت تلك الدراسة أن أكثر من 90 بالمئة من الآراء كانت سلبية ضد سياسات الولايات المتحدة، في الوقت الذي تشير فيه الدراسة ذاتها إلى أن حوالي 90 بالمئة أيضا من الآراء كانت ضد دام حسين وحزب البعث في العراق.

ويلفت الحارثي إلى أن تناقضات السياسة الأميركية ومفارقاتها، نابعة من طبيعة التصور الذي تعمل الولايات المتحدة على تأكيده وترسيخه لمصالحها في المنطقة. وغير غير قادرة على تغيير هذا التصور بما يسمح باستيعاب جزء من مصالح المجتمعات العربية. فالحفاظ على تفوق إسرائيل النوعي والرغبة في السيطرة المباشرة على النفط، وما يترتب على ذلك من تعزيز القواعد العسكرية الأميركية، وإتاحة فرص أكثر للتدخلات العسكرية في دول المنطقة يحول واشنطن في نظر العرب إلى عدو مباشر، مهما حاولت العاصمة المتغطرسة أن تدغدغ أحاسس الناس بما تعلنه من نوايا حسنة تتضمن، فيما تتضمن، بعض التصورات أو البرامج للإصلاح السياسي والاقتصادي، فهي ستدفع السلطات المحلية، وربما ستضغط عليها، للأخذ بتلك الاصلاحات فكأن الولايات المتحدة ستأخذ بأيدي شعوب المنطقة إلى مزيد من العدل والديمقراطية وحقوق الإنسان.. إلخ.

ويكشف إن الموقع غير المريح الذي تحتله الولايات المتحدة اليوم في وجدان الشعوب العربية، يبدو وكأنه لا يريد أن يترك أي مجال محتمل للتعاون، حتى في مجال الإصلاحات المحلية المعتدلة خطواتها، في هذا الاتجاه، وذلك لمجرد إحساس الناس بأن الولايات المتحدة تؤيد مثل هذه التواجهات أو تدعمها. فكأن الناس لا يريدون أي شيء يكون لأميركا فيه أي تدخل أو وجود، فهم يرتابون من ذلك أو يخافونه، أو أنهم ينتابهم الشك في مقاصده. بل كأنه التطابق بين ما تدعو إليه الولايات المتحدة وما تعمل من أجله قوي الإصلاح المحلية، حكومية أو غير حكومية، أصبح ـ أي ذلك التطابق ـ تهمة ينبغي دفعها وردها. بل أحيانا يجب، لمقاومة الغطرسة والبطش، تأجيل مشروعات الإصلاح وإرجائها إلى أوقات أخرى، يقررها أو يختارها أصحاب الشأن المحليون وليس أي أحد آخر غيرهم.

ويشدد الحارثي إن مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة، فيما يتعلق بشؤون المنطقة، خيبت دائما آمال الشعوب العربية، وأصابتها بالإحباط، بل إن مواقف الإدارة الحالية، على وجه الخصوص، سواء من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو من طريق إدارتها لما تسميه الحرب على الإرهاب وبالتالي غزو العراق، ثم من قبل ذلك وبعده، التلويح بالتدخل العسكري في بعض الدول الأخرى، جعل الشعوب العربية تشعر أنها هي بذاتها المستهدفة من قبل الولايات المتحدة، بل تشعر أيضا أن الحرب على الإرهاب، مثلا، ما هي، في حقيقة الأمر، إلا حرب على الإسلام والمسلمين. ومن أهم ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد، أن المعارضة للسياسيات الأميركية في المنطقة ليست محصورة بتنظيمات معينة، أو أنها حكر على أصحاب توجيها أيدلوجية أو سياسة محددة، إنها في الواقع الصحيح تشمل أو تنتظم كل أطياف الأيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

ويلفت إلى أن قناعة العرب والمسلمين بأن الحرب على الإرهاب إنما تستهدفهم، هم جميعهم، كما تستهدف دينهم وثقافتهم، سيكون له انعكاسات خطيرة على المصالح الأميركية في المنطقة. وهي ستساعد التنظيمات الارهابية على تسهيل تجنيد المتطوعين لقتال الأمريكيين خصوصا، إذ يستغل الشعور الخطر المحدق، وتتأجج العواطف، وتشتعل النزعة إلى الجهاد بعيدا عن ضوابطها الشرعية. ونستطيع أن نلاحظ فعلا بأنه كلما ازداد الشعور بخطر التهديد الأميركية، كلما تصاعد فرص الإرهاب.

يذكر أن الكتاب يعرض للسياسات الأميركية في المنطقة وفي العالم قبل أحداث 11 سبتمبر وبعدها، ويقدم صورا للممارسات الأميركية، في القديم والحديث، داخل أميركا ذاتها وخارجها، أي في أنحاء مختلفة من كوكب الأرض، محاولا أن يسهم في كشف النوايا الأميركية الحقيقة تجاه كله، مؤكدا أن عقيدة الصقور لم تتغير قط، منذ التأسيس في القديم، وإلى عصر الهيمنة المطلقة اليوم. فسيادة الولايات المتحدة على الكوكب هي “إرادة إلهية” وهذا هو قدرها المحتوم، كما يقول بذلك القادة الأمريكيون ذاتهم، فإلى أين المفر من مثل هذا القدر؟!.

ويخلص الحارثي إلى أنه كان في إمكان أميركا أن تتولى ريادة العالم بدلا من الهيمنة عليه، وكان في إمكانها أن تقود بدلا من أن تقهره وتضطهده. والريادة والقيادة شيئان مختلفان عن الغزو والاحتلال والتدخلات العسكرية والبطش والاستعلاء. القيادة هي الشراكة بشرف مع دول العالم وشعوبه من أجل التقدم والسلام والرفاه.

وقت البيانات لتقنية المعلومات شركة برمجة في الرياض www.datattime4it.com الحلول الواقعية شركة برمجة في الرياض www.rs4it.sa