
اليمامة العدد 406 20 جمادى الآخرة 1396هـ 18 يونيو 1976 |
سيمون دوبوفوار عندما انتهت من كتابها الجنس الثاني، ربَّت سارتر على كتفها، يبارك اليقظة الحرة في عشيقته ذات السلوك الحسن؛ امتلأ صدرها الصغير بكل غرور البنات، فذهبت تجري نحو البيركامو تطلب إليه أن يضع إيهامه على كل ما حملته صفحات الكتاب من مداعبات غير خجولة لكيان المرأة، وعقلها، ووجدانها، وحتى جسدها كامو لم يرضخ أمام رغبة هذه المرأة الجسورة، بل قذف الكتاب في وجهها، ثم طلب إليها بأدب أن تغادر حالاً مكتبه. يومئذ اشتد جنون سيمون، ودارت الثارة في رأسها، فعادت إلى المنزل تكسر زجاجات عطرها على رؤوس العابرين تحت نافذة شقتها الأنيقة. لقد قررت أن تتحول إلى امرأة متصرفة تباشر مهمتها عنوة، وبشراسة إن أحوج الأمر. لقد قررت أن تُكِّرس عمرها لنتف شوارب الرجال، وعرك أنوفهم، فتقوي تعضيدها اللامشروط (حركة تحرير المرأة) في فرنسا والعالم.
لكن يبدو أن سيمون ليست الكاتبة الوحيدة التي تدعم هذا النضال ضد الرجال، إذ ظهر غيرها كاتبات أخريات من النساء اللاتي تمتلئ صدورهن بالغيظ والنقمة، بعد أن استوعبن بوعي أو بدون وعي كل توجعات المرأة وأنينها في مختلف حقب التاريخ البشري.
بالنسبة لهؤلاء النسوة الأوربيات:
* الرجل “السلطة”: هذه الأسطورة العتيقة لابد أن تكتب نهايتها الآن. لابد أن يكفَّ هذا “الخبيث” عن العبث بمُقدَّرات المرأة. و”النظام” الذي أقامه ويسعى دائماً إلى حمايته، لابد أن ينقضَّ كله.
* المرأة التي ما تزال عملية الإنجاب والطبخ والكنس تتصدر قائمة أدوارها في الحياة، يجب أن تستيقظ.
* التاريخ الذي ظل يتصدره الرجال وحدهم، لابد أن يُحرق، وأن تعيد المرأة نفسها كتابته من جديد. لابد أن تدخل هي أيضاً هذا التاريخ، وأن تحتل فيه مكاناً نزيهاً.
ولكن قبل القيام بكل هذه العمليات، لابد أن تكتشف المرأة سرها. وسرها هو حجمها وأبعادها؛ لأنه قبل الانتقال إلى مرحلة مفاوضة الرجل في تحسين الواقع وتحديد المصير؛ لابد من كشف هذا السر “بينهن” على الأقل كما يتمكنَّ – هن – من خلق مكان فسيح يستطعن الحديث منه بسهولة ويسر.
وصراع المرأة مع الرجل في أوروبا ليس صراع طبقات ولا أحزاب، وإنما هو صراع كل الطبقات، وكل الأحزاب. هو صراع كل النساء من أية طبقة، أو من أي حزب ضد كل الرجال من أية طبقة، أو من أي حزب أيضاً.
هذا الشعور بالانخذال الذي يستبد بعقل المرأة الأوروبية ووجدانها أهم مصادره أن الأم، أو الأخت، أو الزوجة في المجتمعات الصناعية الحديثة المحكومة بالفردية والأنانية المتطرفة؛ أخذت تفسر كل نشاطات الرجل على أنها نشاطات استفزازية انتهازية عدوانية، ليس من شأنها سوى دعم سلطان الرجل نفسه، على حساب كل تصورات المرأة للحياة والمستقبل. فهي تشعر أنها مهددة في كل حين، مهددة بإكمال بقية المشوار وحدها، بعد أن يقضي منها هذا الإنسان “الذئب” حاجته، أو بعد أن يعثر على بديلة تأخذه بجدتها، ليتركها هي أيضاً بدورها من أجل ثالثة وهكذا!
في أوروبا إن ضحك في وجهها، فلأنه يعدها أجمل “تحف” منزله لا أكثر، وإن فتح لها باب السيارة، فليس احتراماً، بل رأفة وعطفاً واستشعاراً لرجولته، وقوته، وريادته، ووصايته عليها.
وإن أشعل لها سيجارتها، فقط لأنه “رجل” وهي “امرأة”، والرجل في المجتمعات “المتحضرة!!” يشعل السيجارة للمرأة، فهو يفعل ذلك بأنانيته وليس بأريحيته، يفعل ذلك ليس تقديراً لها، وإنما ليشعر نفسه أولاً، والآخرين ثانياً بأنه رجل مؤدب “متحضر”.
وإن دعاها إلى مرافقته لحضور كوكتيل أو حفلة ما، فليس لأنه يود أن تظل دائماً إلى جانبه حبًّا لها، وإنما لأنه يريد أن يُرضي غروره بتقديمها لأصدقائه، إن كانت جميلة، أو ذكية، أو واعية. فهو يهمه أن “يحسده” الناس على زوجته. وقد يسعى أحياناً لاستغلال نفوذها – كامرأة – عند رئيسه أو مديره، بطرق لا أخلاقية يندي لها جبين الحجر! فهي بالنسبة له حلية وأداة.
وعندما تنجب له أطفالاً يبالغ في تكريمها، ليس حباً، بل تملقاً، فقد أصبحت أم أولاده، ولا بد أن يحترمها لتظل إلى جانب هؤلاء الأولاد. وجدلاً، قد يحبها، ولكنه ليس حباً مباشراً، بل حباً يأتيها “عبر” الأولاد ومن خلالهم، إذ إنها لو لم تنجب لقذفها إلى الشارع كليًّا.
ووجود بعض النساء في مراكز قيادية في الدولة، إنما هي عملية ترضية لبقية النساء، وكسب لودهن أيام الانتخابات الرئاسية مثلاً، فهن يُشكلنَّ نصف المصوتين، ولابد من الظفر بهن إلى جانب النظام، أو أن الرجال يأخذون ذلك حجة على النساء كي يقولوا يوماً: لقد هيأنا لكنَّ الفرص نفسها التي هيأنها لنا، فأنتن تشاركن حتى في الحكم. وهذا هو تفسير سيمون دو بوفوار مثلاً لوجود بعض النساء في مناصب وزارية في الحكومة الفرنسية، وهو أيضاً تفسيرها لقبول الآنسة” شوبينيه” في أرقى معاهد الدراسات العليا الفرنسية: “بوليتكنيك”، والذي كان مقصورًا على الرجال فقط.
المرأة الفرنسية أمام كل التحديات الاقتصادية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية المطروحة في طريقها، هكذا تفسر اليوم تصرفات الرجل نحوها ومواقفه منها، مهما كان حسن النية متوفراً، بالنسبة لهذا الأخير، ومهما كان إخلاصه وارداً.
ومن هذا المنطلق وحده نشأت فئة “منهن” تدعو لتحرير المرأة، ولإعادة تفسير التاريخ، ثم نقضه وبنائه من جديد. من هذا المنطلق أيضاً، أخذت المرأة الأوروبية تعيد “تقويمها” لكل إنجازات الرجل، سواء الماضية منها، أم الحاضرة.
المرأة الأوروبية واقع قلق، مرتاب، حذر، مهدد بالموت أو الضياع في كل حين. وفي هذه الحقيقة، قد نجد مدخلاً لإثبات فساد الروابط الاجتماعية والأسرية في المجتمعات، الحديثة، كما قد نجد فيها أيضاً الدليل على فساد “النظام” ككل، وفساد فلسفة الوجود الإنساني كذلك في تلك المجتمعات.
الإنسان هناك -وبالذات المرأة- ليس له من يحميه، أو يساعده على تخطي تحديات الساعة، وعلى التعبئة لمواجهة احتمالات المستقبل الغامض، ولهذا فقد تعددت أنواع الصراعات والتناحرات الطبقية، والحربية والجنسية، وهذه الأخيرة هي التي تهمنا الآن.
المرأة هناك لا تقوم بأي نوع من أنواع التسابق نحو المجد أو السؤدد عندما تناضل ضد الرجل، بل إنها – بالأحرى – تقاوم الرجل لتعيش، لـ (تنجو) من اختناقها المحقق يوماً ما.
المرأة المسلمة إن كان يحفظها نظام سماوي عادل، وإن كانت تزرع الطمأنينة في قلبها روابط اجتماعية وأسرية متينة؛ فهي تجد دائماً في يديها ضمانات عرفية وأخلاقية ودينية نزيهة، بحيث لا تترك للخوف أي سبيل للولوج إلى قلبها. المرأة المسلمة إن كانت تحتضن في زهو كل هذه الأشياء، فالمرأة الأوربية على عكسها تماماً، ليس لديها أي شيء من هذه الضمانات، أو من تلك الطمأنينة، أو من ذلك النظام.
النظام هناك نظام فاشل – كما أسلفنا – وهي من حين أن تبلغ الثامنة عشرة تواجه بنفسها وحيدة كل توقعات مستقبلها الأعمى.
إذًا هل نجد في كل هذا تبريراً لقيام مثل هذه الحركات لـ”تحرير!” المرأة في تلك البلدان؟!
أجل قد نجد التبرير لقيام مثل هذه الحركات، ولكن إقرارنا بوجود التبرير، لا يعني أبداً اعترافنا بوجاهته وبشرعيته، بل إننا نشجبه ونشجب نتائجه؛ إذ إنه لم يتوقف عند المطالبة بإفساح المجال لمساهمة المرأة في البناء والتعمير، كحق من حقوقها في أي مكان، وتحت ظل أي نظام، بل لقد انحرف إلى مستويات رديئة من الانحلال، والتردي، والتفسخ حتى على المستوى الفكري.
المرأة الأوربية بعد أن كانت ضحية الرجل، يتاجر بها وبعقلها وبجسدها، ويذبحها،ويبيع لحمها كالجزار، أصبحت الآن ضحية تخبطها في البحث عن طريق الخلاص.
كان الأجدى أن يعمل إنسان تلك المجتمعات على تقديم ضمانات صريحة ومباشرة لأفراده، حتى لا يصلوا إلى المستوى الذي وصلوا إليه اليوم من التأزم النفسي والاضطراب الروحي، الذي كان من محصلاته هذه البقع الزرقاء، العريضة التي تنتشر بوحشية في جسد الإنسان المعاصر هناك.
* الفكر النسوي والواقع:
في هذا المناخ المتوتر الذي جاء كإحدى سلبيات فساد سلوك الإنسان وتصرفه، تمر المرأة الآن بأحرج الظروف في تاريخها، من أجل الوقوف على قدميها النحيلتين، ساعية وراء الأمل الراهن بأن تحقق لنفسها “النجاة” على الخط الموازي لطريق الرجل، الذي اتخذه للغرض نفسه، وللغاية نفسها في مجتمع “الندرة” والتيه، ولعلها كانت تفضل المرحلة التاريخية الأولى التي كان الرجل فيها دون شرعية أحياناً، أو منطق يفصل أو يبت، يقرر حياتها أو موتها هكذا صراحة. لعلها كان تفضل تلك المرحلة الحالية المفعمة بالانتظار، والقلق، والحيرة، والضياع، وتصاعد حدة الصراع.
عندما نفهم كل هذه الأمور، نستطيع أن نفهم في يسر “الموجة” التي تجتاح الآن بعض جيل الأديبات الفرنسيات. هذه الموجة التي تستمد ماءها من النقمة على الرجل. وقد يصل أحياناً احتجاجهن إلى مستوى الرغبة في الأخذ بالثأر. والمفكرات الشابات يقلن باختصار: كان لابد أن يكون هناك “نساء” يوم صناعة “النظام”؛ ليقدمن لبنات جنسهن ضمانات لازمة أغفلها الرجل كلياً.
النقمة على الرجل وعلى نظام الرجل، نتج عنها عند الأديبات المحدثات، مثل ألين سكسو، ومارين سيل، و أني لوكليرك وغيرهن:
أولاً: في إطار الدفاع عن “قضية” المرأة، التعاطف التام روحياً مع الإنتاج الفكري النسوي، والانفصال المحكم عن الرجال، وعدم الاهتمام بما ينتجون، وهذه ليست إحدى صور الجزع بقدر ما هي محاولة يائسة للعثور على هوية المرأة في امرأة أخرى وحسب. فالمسيرة واحدة، والمصير واحد، والغاية واحدة، وهي الحصول على ضمانات أكيدة كما أسلفنا.
هذا التعاطف يتحول أحياناً إلى مصب رئيس لكل عواطف المرأة الودودة وغير الودودة.
تقول إحداهن:”ما يكتبه الرجال لا يثيرني، بالرغم من أن هناك رجالاً قد نجحوا إلى حد ما في تقديم أشياء نسوية، كما يحدث لبعض النساء اللاتي يكتبن بطرق رجالية إلى الآن”.
ثانياً: استشعار المرأة المفكرة لكل جوانب مصيرها المعقد دفعها أيضاً – بعد الانعزال عن الرجل، وتكثيف التعاطف مع النساء الأخريات – إلى إعادة أو تجديد اكتشافها لأنانيتها المأثورة، ونرجسيتها التي كانت تختبئ دائماً تحت الرغبة في الاستحواذ على إعجاب الرجل. ونتيجة لذلك، فقد أصبحت تعترف صراحة بهذه الأنانية وهذه النرجسية، بل أكثر من ذلك، تعدهما نقطتين ضروريتين لانطلاقتها الجديدة.
تقول أخرى: “المرأة عندما تكتب، إنما تحاول أن تأخذ في يدها ملكية جسدها لتواجه نفسها بنفسها، لتعمل على توليد نرجسية ضرورية تحتمها الحاجة للانطلاق نحو البعيد”.
والانطلاق نحو البعيد، يعني تحقيق انتصارات معينة في عالمها ضد الرجل، واستعادة ملكية “جسدها”، إنما هي – بالنسبة لها – أحد هذه الانتصارات. والتأكيد على ضرورة استعادة هذه الملكية، تدل على أن المفكرة الأوروبية الجديدة، لم تعد ترى في مواقف الرجل من المرأة إلا البحث عن إشباع رغبته ونشوته الجسدية “الدنيئة” – في نظرها – حتى وإن كانت مشروعة، فقد يكون الرجل زوجها.
هذه النرجسية قد تصل عندهن أحياناً إلى معناها الجنسي القذر الذي حدده لها “فرويد”. فهذه نيجما تقول: “المرأة تكتب الآن لأسباب تختلف عن الأسباب التي يكتب لها الرجل. هناك غريزة أو كرب ما أحاول أن أتخلص منه عندما أكتب”.
الكتابة عند هؤلاء، أصبحت تبلغ غايات نفسية وجسدية قذرة ومعقدة.
التعاطف بينهن كنساء، ثم النرجسية التي تأخذ كل منهن بنصيب فائق منها، أمران يظهران أيضاً عند قراءة إحداهن نصًّا نسويًا لأخرى. تقول أني لوبير: “إنها قراءة لذة تعلم المرأة حب الأخرى، وحب نفسها أيضاً”.
وأني لوكليرك أصدرت كتابًا بعنوان: “رسالة الحب”، عندما قرأته سيمون دو بوفوار قالت لها:
مع هذا فهناك أمر لا يمكن أن يمر بسهولة، هو نرجسيتك، فأجابتها لوكليرك:
ولكن المرأة عندما تقول: “أنا”، فهذا هو فعلاً الانفتاح على الواقع، على الحقيقة.
يأتي الآن سؤال مهم، لو طرحناه في الساحة الأدبية العربية لتخبطنا في الإجابة عليه، أما في فرنسا، فأجابته تنتصب أمامنا كقرون إبليس. هذا السؤال هو: هل هناك – إذًا – اليوم أدب نسوي بالمعنى المحدد لهذا النعت، أي من حيث نوعيته وروحه، لا من حيث جنسيته وأصله؟!
من خلال ما بينا سلفا عن أهم سمات الموجة النسوية الحديثة، يتبين أنه أصبح من الممكن – عند هذا الجيل على الأقل – تمييز ما تكتبه المرأة عما يكتبه الرجل.
ومن المؤكد أنه ليس كل ما تكتبه المرأة أنثوياً، فهناك نساء يكتبن كما يكتب الرجال، ولكنهن في نظر بعض الأديبات الشابات نساء ما زلن يقبلن بوصاية الرجل، حتى على عقولهن وطريقة تفكيرهن. فالمرأة بالنسبة لهذا الجيل، يجب أن تنصت فقط لعقلها الباطن، دون أن تسأل عما سيكون عليه رأي الرجل وموقفه مما تكتب، وهن يحاولن بذلك انتزاع ملكية الكتابة من الرجل، الرجل الذي بقي هذا الفن على مر العصور من احتكاراته القسرية.
الين سيكسو تضيف:”النص النسوي دائماً ليس له نهاية. لقد تعلمنا أن نقرأ كتباً تضع في آخر صفحة منها كلمة نهاية، أو انتهى، بينما هي في الواقع لم تنته. النص النسوي دائماً له بقية”.
سيكسو تنكر على أدب جيلها “النهاية” كرسالة ودور، وليس كوحدة أو عمل مستقل. فالنضال مازال على أشده، فكيف يمكن للنص النسوي أن ينتهي، أو -على الأقل- يتوقف لينتقل إلى حقول أخرى، وهو بعد لم يحقق أية غاية في مسيرته الجديدة! هذه الحقيقة الدقيقة التي تراها سيكسو، لن تتبين إلا لمن له دراية مسبقة بقضية سيكسو وقريناتها.
واني لوكليرك في كتاب “رسالة الحب” حاولت أن تقول باحتجاج من خلال نغمة الكتاب ولهجته: إن الكتابة النسوية تبدأ هنا، أي بالحديث عن “الحب” تتحدث منه، وفيه، وإليه فقط.
وهذه قد تكون حقيقة أخرى سعت إليها لوكليرك، حقيقة من وجهة نظرها هي، ولكنها أكثر غموضاً مما قالت به سيكسو، ولا يمكن أن تتخذ ميزة لأدب النساء.
هذه الموجة تبرز فعلاً في الأدب الفرنسي، ليس من حيث نوعية العطاء فقط، ولكن أيضاً من حيث الحماس، واستشعار الدور والخطورة. فهؤلاء النسوة لهن قضية، مهما كانت واهنة، ومهما كانت سقيمة، إلا إنها تظل “قضية، وفكر له قضية يبقى طويلاً، حتى وإن انحسرت فورته يوماً ما، أو تخلى عنه بعض أنصاره أو كلهم.
إنه يبقى على الأقل كأحد مفترقات الطريق الطويل، عندما يعبر الناس أمامه يقولون: من هنا عبر يوماً آخرون أو أخريات. فالسوريالية أو ما فوق، توقفت بسقوط باريس في أيدي الألمان عام 1940م، بعد أن تشتت أنصارها، وبرغم أنها دخلت التاريخ الفني والأدبي في وقت متأخر جداً، إلا إنها تظل إلى الآن منعطفاً فكرياً هاماً سيتحدثون عنه طويلاً.
بالمناسبة فقد ظهر الآن فريق جديد من السورياليين، أصدر كتاباً قبل أيام بعنوان “الحضارة السوريالية”، وقد واجه بعض المعارضة ممن عرفوا السوريالية القديمة، سنتحدث عنه في مقال آخر.
هذه الموجه النسائية لا أتوقع همودها الآن؛ لأن كل الظروف المحيطة بالمرأة في المجتمع الفرنسي والمجتمع الصناعي عموماً لا تهيئ لمثل هذا الهمود. بالعكس فالمرأة لا تزداد إلا خوفاً وقلقاً، وفي كل يوم جديد، تتكثف العتمة حول واقعها ومصيرها. هذه الحركة لا تهيمن على الساحة الأدبية الفرنسية فقط، ولكنهم هنا لايستطيعون تجاهلها.